فصل: الأحد رابع عشرين المحرم سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم في ليلة الخميس ثامن ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين المذكورة قدم السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني من دمشق بطلب من السلطان بعد أن خرج أكابر الدولة إلى لقائه واستمر بالقاهرة إلى يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة فخلع السلطان عليه باستقراره كاتب السر الشريف بالديار المصرية عوضًا عن جلال الدين محمد بن مزهر بحكم عزله وعملت الطرحة خضراء برقمات ذهب فكان له موكب جليل إلى الغاية‏.‏

ثم في يوم الجمعة سادس عشره خلع السلطان على جلال الدين محمد بن مزهر المقدم ذكره واستقر في توقيع المقام الناصري محمد ابن السلطان‏.‏

ثم في يوم السبت رابع عشرينه قدم القاهرة الأمير هابيل بن قرايلك المقبوض عليه من الرها ومعه جماعة في الحديد فشهروا بالقاهرة إلى القلعة وسجنوا بها‏.‏

وقد تخلف العسكر المصري بحلب وفي هذه السنة كان خراب مدينة تبريز وسبب ذلك أن صاحبها إسكندر بن قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا التركماني زحف على مدينة السلطانية وقتل متملكها من جهة القان شاه رخ بن تيمورلنك في عدة من أعيان المدينة ونهب السلطانية وأفسد بها غاية الإفساد‏.‏

فسار إليه شاه رخ في جموع كثيرة فخرج إسكندر من تبريز وجمع لحربه ولقيه وقد نزل خارج تبريز‏.‏

فانتدب شاه رخ لمحاربة إسكندر المذكور الأمير عثمان بن طر علي المدعو قرايلك صاحب آمد وقد أمده شاه رخ بعسكر كثيف وقاتله خارج تبريز في الجمعة سادس عشر ذي الحجة قتالًا شديدًا قتل فيه كثير من الفئتين إلى أن كانت الكسرة على إسكندر وجماعته وانهزم وهم في أثره يطلبونه ثلاثة أيام ففاتهم إسكندر‏.‏

فنهبت الجغتاي عامة بلاد أذربيجان وكرسي أذربيجان تبريز وقتلوا وسبوا وأسروا وفعلوا أفاعيل أصحابهم من أعوان تيمور حتى لم يدعوا بها ما تراه العين‏.‏

ثم ألزم شاه رخ أهل تبريز بمال كبير ثم جلاهم بأجمعهم إلى سمرقند فما ترك في تبريز إلا ضعيفًا أو عاجزًا لا خير فيه‏.‏

ثم بعد مدة طويلة رحل جهة بلاده‏.‏

وبعد رحيله انتشرت الأكراد بتلك النواحي تعبث وتفسد حتى فقدت الأقوات وبيع لحم الكلب الرطل بعدة دنانير‏.‏

قلت‏:‏ وقد تكرر قتال إسكندر هذا لشاه رخ المذكور غير مرة وهو في وقعة تكون الكسرة والذلة عليه وهو لا يرعوي ولا يستحي ولا يرجع عن جهله وغيه‏.‏

وقد نسبه بعض الناس للشجاعة لكثرة مواقعته مع شاه رخ المذكور أقول‏:‏ ليس ذلك من الشجاعة إنما هو من قلة مروءته وإفراط جهله وسخفه وجنونه وعدم إشفاقه على رعيته وبلاده حيث يقاتل من لا قبل له به ولا طاقة بدفعه فهذا هو الجنون بعينه وإن طاب له من هذا الكحل فليكتحل‏.‏

إسكندر فإنه بعد هزيمته جال في البلاد وتشتت شمله وتبددت عساكره وسار بلاد الأكراد وقد وقع بها الثلوج ثم سار إلى قلعة سلماس فحصره الأكراد وقاسى شدائد إلى أن نجا منها بنفسه وسار إلى جهة من الجهات انتهى‏.‏

ثم في يوم

 الأحد رابع عشرين المحرم سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

قدم إلى القاهرة رسول ملك الشرق شاه رخ بن تيمورلنك بكتابه يطلب فيه شرح البخاري للحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر وتاريخ الشيخ تقي الدين المقريزي المسمى بالسلوك لدول الملوك ويعرض أيضًا في كتابه بأنه يريد أن يكسو الكعبة ويجري العيش بمكة فلم يلتفت السلطان إلى كتابه ولا إلى رسوله وكتب له بالمنع في كل ما طلبه‏.‏

ثم في يوم الخميس سادس عشرين صفر خلع السلطان على قاضي القضاة علم الدين صالح البلقييي وأعيد إلى قضاء الشافعية بعد عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر‏.‏

وخلع أيضًا على القاضي زين الدين عبد الرحمن التفهني وأعيد أيضًا إلى قضاء الحنفية بعد عزل قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني‏.‏

واستقر القاضي صدر الدين أحمد بن العجمي في مشيخة خانقاه شيخون عوضًا عن التفهني وخلع عليه في يوم الاثنين أول شهر ربيع الأول‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول المذكور خلع السلطان على القاضي سعد الدين إبراهيم ابن القاضي كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم باستقراره ناظر الخواص الشريفة بعد موت والده‏.‏

ثم في يوم السبت رابع شهر ربيع الآخر خلع السلطان على قاضي القضاة بدر الدين محمود العييي المقذم ذكره باستقراره في حسبة القاهرة عوضًا عن الأمير إينال الششماني مضافًا لما معه من نظر الأحباس‏.‏

ثم في يوم الخميس تاسع شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان على الأمير شهاب الدين أحمد الدوادار المعروف بابن الأقطع وقد صار قبل تاريخه زردكاشًا باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن آقبغا التمرازي بحكم عزله وقدومه إلى القاهرة على إمرته فإنه كان ولي نيابه إسكندرية على إقطاعه‏:‏ تقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏

ثم في خامس عشرينه خلع السلطان على آقبغا الجمالي الكاشف باستقراره أستادارًا بعد عزل الزيني عبد القادر بن أبي الفرج على أن آقبغا يحمل مائة ألف دينار بعد تكفية الديوان فكذب وتخومل وعزل بعد مدة يسيرة حسبما نذكر وكان أصل آقبغا هذا من الأوباش من مماليك الأمير كمشبغا الجمالي أحد أمراء الطبلخانات وصار يتردد إلى إقطاع أستاذه كمشبغا المذكور ثم خدم بلاصيًا عند الكشاف ثم ترقى حتى ولي الكشف في دولة الملك الأشرف هذا وأثرى وكثر ماله فحسن له شيطانه أن يكون أستادارًا وأخذ يسعى في ذلك سنين إلى أن سمح له الملك الأشرف بذلك وتولى الأستادارية وأستاذه الأمير كمشبغا الجمالي في قيد الحياة من جملة أمراء الطبلخانات فلم تحسن سيرته وعزل بعد مدة‏.‏

وفي هذا الشهر وقع الطاعون بإقليم البحيرة والغربية بحيث إنه أحصي من مات من أهل المحلة زيادة على خمسة آلاف إنسان‏.‏

وكان الطاعون أيضًا قد وقع بغزة والقدس وصفد ودمشق من شعبان في السنة الخالية واستمر إلى هذا الوقت وعد ذلك من النوادر لأن الوقت كان شتاء ولم يعهد وقوع الطاعون في فصل الربيع‏.‏

ويعلل الحكماء ذلك بأنه سيلان الأخلاط في فصل الربيع وجمودها في الشتاء فوقع في هذه السنة بخلاف ذلك‏.‏

وكان قدم الخبر بوقوع الطاعون بمدينة برصا من بلاد الروم وأنه زاد عدة من يموت بها في يوم على ألف وخمسمائة إنسان‏.‏

ثم بدأ الطاعون بالديار المصرية في أوائل ربيع الأخر‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الطاعون هو الفناء العظيم الذي حصل بالديار المصرية وأعمالها في سنة ثلاث وثلاثين المذكورة‏.‏

ثم في يوم الخميس أول جمادى الأولى نودي بالقاهرة بصيام ثلاثة أيام وأن يتوبوا إلى الله تعالى من معاصيهم وأن يخرجوا من المظالم ثم إنهم يخرجون في يوم الأحد رابع جمادى الأولى المذكور إلى الصحراء‏.‏

فلما كان يوم الأحد رابعه خرج قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني في جمع موفور إلى الصحراء خارج القاهرة وجلس بجانب تربة الملك الظاهر برقوق ووعظ الناس فكثر ضجيج الناس وبكاؤهم في دعائهم وتضرعهم ثم انفضوا‏.‏

فتزايدت عدة الأموات في هذا اليوم عما كانت في أمسه‏.‏

ثم في ثامن جمادى الأول هذا قدم كتاب إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز أنه قدم إلى بلاده وقصده أن يمشي بعد انقضاء الشتاء لمحاربة قرايلك فلم يلتفت السلطان إلى كتابه لشغله بموت مماليكه وغيرهم بالطاعون‏.‏

ثم ورد كتاب قرايلك أيضًا على السلطان يسأل فيه العفو عن ولده هابيل وإطلاقه فلم يسمح له السلطان بذلك‏.‏

ثم عظم الوباء في هذا الشهر وأخذ يتزايد في كل يوم‏.‏

ثم ورد الخبر أيضًا أنه ضبط من مات من النحريرية بالوجه البحري إلى يوم تاريخه تسعة آلاف سوى من لم يعرف وهم كثير جدًا وأنه بلغ عدة الأموات في الإسكندرية في كل يوم نحو المائة وأنه شمل الوباء غالب الأقاليم بالوجه البحري‏.‏

ثم وجد في هذا الشهر بنيل مصر والبرك كثير من السمك والتماسيح قد طفت على وجه الماء ميتة واصطيدت سمكة تسمى بنية كبيرة فإذا هي كأنما صبغت بدم من شدة ما بها من الاحمرار‏.‏

ثم وجد في البرية مابين السويس والقاهرة عدة كبيرة من الظباء والذئاب موتى‏.‏

ثم قدم الخبر بوقوع الوباء أيضًا ببلاد الفرنج‏.‏

ثم في يوم الخميس سلخه ضبطت عدة الأموات التي صلي عليها بمصليات القاهرة وظواهرها فبلغت ألفين ومائة ولم يرد منها في أوراق الديوان غير أربعمائة ونيف وببولاق سبعين‏.‏

وفشا الطاعون في الناس وكثر بحيث إن ثمانية عشر إنسانًا من صيادي السمك كانوا في موضع واحد فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر ومضى الأربعة ليجهزوهم إلى القبور فمات منهم وهم مشاة ثلاثة فقام الواحد بشأن الجميع حتى أوصلهم إلى القبور فمات هو أيضًا قاله الشيخ تقي الدين المقريزي في تاريخه ثم قال أيضًا‏:‏ وركب أربعون رجلًا في مركب وساروا من مدينة مصر نحو بلاد الصعيد فماتوا بأجمعهم قبل وصولهم إلى الميمون‏.‏

ومرت امرأة من مصر تريد القاهرة وهي راكبة على حمار مكاري فماتت وهي راكبة وصارت ملقاة بالطريق يومها كله حتى بدأ يتغير ريحها فدفنت ولم يعرف لها أهل‏.‏

وكان الإنسان إذا مات تغير ريحه سريعًا مع شدة البرد‏.‏

وشنع الموت بخانقاه سرياقوس حتى بلغت العدة في كل يوم نحو المائتين‏.‏

وكثر أيضًا بالمنوقية والقليوبية حتى كان يموت في الكفر الواحد ستمائة إنسان‏.‏

قلت‏:‏ والذي رأيته أنا في هذا الوباء أن بيوتًا كثيرة خلت من سكانها مع كثرة عددهم وأن الإقطاع الواحد كان ينتقل في مدة قليلة عن ثلاثة أجناد وأربعة وخمسة‏.‏

ومات من مماليك الوالد رحمه الله في يوم واحد أربعة من أعيان الخاصكية وهم‏:‏ أزدمر الساقي وملج السلاح دار وبيبرس الخاصكي ويوسف الرماح ماتوا الجميع في يوم واحد فتحيرنا بمن نبدأ بتجهيزه ودفنه على اختلاف سكناهم وقلة التوابيت والدكك وبالله لم أشهد منهم غير يوسف الرماح وأرسلت لمن بقي غيري مع أن كل واحد منهم أهل لنزول السلطان للصلاة عليه‏.‏

ثم أصبح من الغد مات سنقر دوادار الوالد الثاني وكان من أكابر الخاصكية من الدولة المؤيدية‏.‏

هذا خلاف من مات منهم من الجمدارية ومن مماليك الأمراء‏.‏

وأما من مات من عندنا من المماليك والعبيد والجواري والخدم فلا يدخل تحت حصر‏.‏

ومات من إخوتي وأولادهم سبعة أنفس ما بين ذكور وإناث وأعظمهم أخي إسماعيل فإنه مات وسنه نحو العشرين سنة قال المقريزي‏:‏ ثم تزايدت عدة الأموات عما كانت فأحصي في يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة من خرج عن أبواب القاهرة فبلغت عدتهم ألفًا ومائتي ميت سوى من خرج عن القاهرة من أهل الحكور والحسينية وبولاق والصليبة ومدينة مصر والقرافتين والصحراء وهم أكثر من ذلك‏.‏

ولم يورد بديوان المواريث بالقاهرة سوى ثلاثمائة وتسعين وذلك أن أناسًا عملوا التوابيت للسبيل فصار أكثر الناس يحملون موتاهم عليها ولا يوردون الديون أسماءهم‏.‏

قال‏:‏ وفي هذه الأيام ارتفعت أسعار الثياب التي يكفن بها الأموات وارتفع سعر سائر ما يحتاج إليه المرضى كالسكر وبزر الرجلة والكمثرى على أن القليل من المرضى هو الذي يعالج بالأدوية بل بعضهم يموت موتًا سريعًا في ساعة وأقل منها‏.‏

وعظم الوباء في المماليك السلطانية سكان الطباق بالقلعة الذين كثر فسادهم وشرهم وعظم عتوهم وضرهم بحيث إنه كان يصبح منهم أربعمائة وخمسون مملوكًا مرضى فيموت منهم في اليوم زيادة على الخمسين مملوكًا‏.‏

انتهى كلام المقريزي‏.‏

قلت‏:‏ والذي رأيته أنا أنه مات بعض أعيان الأمراء مقدمي الألوف فلم يقدروا له على تابوت حتى أخذ له تابوت من السبيل‏.‏

وأما الأخ رحمه الله فإنه لما توفي إلى رحمة الله تعالى وجدنا له تابوتًا غير أنه لا عدة فيه فلما وضع الأخ فيه طرح عليه سلاري سمور من قماشه على أن الغاسل أخذ من عليه قماشًا يساوي عشرة آلاف درهم ومع هذا لم ينهض أهل الحانوت بكسوة تابوته‏.‏

وبلغ عدة من صلي عليه من الأموات بمصلى باب النصر في يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة خمسمائة وخمسة وقد أقام هناك جماعة كبيرة بأدويه وأقلام لضبط ذلك‏.‏

وبطلت الصلاة بالمصلاة وإنما صار الناس يصلون على أمواتهم صفًا واحدًا من باب االمصلى إلى تجاه باب دار الحاجب فكان يصلى على الأربعين والخمسين معًا دفعة واحدة‏.‏

ومات لشخص بخدمتنا يسمى شمس الدين الذهبي ولد فخرجنا معه إلى المصلى وكان سن الميت دون سبع سنين فلما أن وضعناه للصلاة عليه بين الأموات جيء بعدة كبيرة أخرى إلى أن تجاوز عددهم الحد ثم صلي على الجميع‏.‏

وتقدمنا لأخذ الميت المذكور فوجدنا غيرنا أخذه وتبرك لنا غيره في مقدار عمره فأخذه أهله ولم يفطنوا به ففهمت أنا ذلك وعرفت جماعة أخر ولم نعلم أباه بذلك وقلنا لعل الذي أخذه يواريه أحسن مواراة وليس للكلام في ذلك فائدة غير زيادة في الحزن‏.‏

فلما دفن الصبي وأخذ أهل الحانوت التابوت صاحوا وقالوا‏:‏ ليس هذا تابوتنا هذا عتيق وقماشه أيضًا خلق‏.‏

فأشرت إليهم بالسكات وهددهم بعض المماليك بالضرب فأخذوه ومضوا فكانت هذه الواقعة من الغرائب المهولة‏.‏

كل ذلك والطاعون في زيادة ونمو حتى أيقن كل أحد أنه هالك لا محالة‏.‏

وكنا نخرج من صلاة الجمعة إلى بيتنا وقد وقف جماعة من الأصحاب والخدم فنتعادد إلى الجمعة الثانية فينقص منا عدة كبيرة ما بين ميت ومريض‏.‏

واستسلم كل أحد للموت وطابت نفسه لذلك وقد أوصى وتاب وأناب ورجع عن أشياء كثيرة‏.‏

وصار غالب الشباب في يد كل واحد منهم سبحة وليس له دأب إلا التوجه للمصلاة للصلاة على الأموات وأداء الخمس والبكاء والتوجه إلى الله تعالى والتخشع وماتت عندنا وصيفة مولدة بعد أن مرضت من ضحى النهار إلى أن ماتت قبل المغرب فأصبحنا وقد عجز الخدم عن تحصيل تابوت لها فتولت تغسيلها أمها وجماعة من العجائز وكفنوها في أفخر ثيابها على أحسن وجه غير أننا لم نلق لها نعشًا‏.‏

وقد ألزمني التوجه للصلاة على الأمير الكبير بيبغا المظفري وعلى الشهابي أحمد بن الأمير تمراز النائب فوقفت على الباب والميتة محمولة على أيدي بعض الخدم إلى أن اجتازت بنا جنازة امرأة فأنزلت التابوت غصبًا ووضعتها عند الميتة واشتالتا على أعناق الرجال وسارت أمها وبعض الخدم معها إلى أن قاربت التربة فأخذوها من التابوت ودفنوها‏.‏

ثم بلغ في جمادى الأخرة المذكورة عدة من صلي عليه بمصلاة باب النصر فقط في يوم واحد زيادة على ثمانمائة ميت‏.‏

ثم في اليوم المذكور بلغ عدة من خرج من الأموات من سائر أبواب القاهرة اثني عشر ألفًا وثلاثمائة ميت محرره من الكتبة الحسبة بأمر شخص من أكابر الدولة وقيل بأمر السلطان‏.‏

ثم بلغ عدة من صلي عليه بمصلاه باب النصر من الأموات في العشر الأوسط من جمادى الأخرة المذكورة ألفًا ونيفًا وثلاثين إنسانًا ويقارب ذلك مصلاة المؤمني بالرميلة فيكون على هذا الحساب مات في هذا اليوم نحو خمسة عشر ألف إنسان‏.‏

قال المقريزي‏:‏ واتفق في هذا الوباء غرائب منها‏:‏ أنه كان بالقرافة الكبرى والقرافة الصغرى من السودان نحو ثلاثة آلاف إنسان ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير ففنوا بالطاعون حتى لم يبق منهم إلا القليل ففروا إلى أعلى الجبل وباتوا ليلتهم سهارًا لا يأخذهم نوم لشدة ما نزل بهم من فقد أهليهم وظلوا يومهم من الغد بالجبل فلما كانت الليلة الثانية مات منهم ثلاثون إنسانًا وأصبحوا فإلى أن يأخذوا في دفنهم مات منهم ثمانية عشر‏.‏

قال‏:‏ واتفق أن إقطاعًا بالحلقة تنقل في أيام قليلة إلى تسعة نفر وكل منهم يموت‏.‏

ومن كثرة الشغل بالمرضى رالأموات تعطلت الأسواق من البيع والشراء وتزايد ازدحام الناس في طلب الأكفان والنعوش فحملت الأموات على الألواح وعلى الأقفاص وعلى الأيدي‏.‏

وعجز الناس عن دفن أمواتهم فصاروا يبيتون بها في المقابر والحفارون طول ليلتهم يحفرون‏.‏

وعملوا حفائر كبيرة بلغ في الحفرة منها عدة أموات‏.‏

وأكلت الكلاب كثيرًا من أطراف الأموات‏.‏

وصار الناس ليلهم كله يسعون في طلب الغسال والحمالين والأكفان وترى النعوش في الشوارع كأنها قطارات جمال لكثرتها متواصلة بعضها في إثر بعض‏.‏

انتهى كلام المقريزي‏.‏

ثم في يوم الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة المذكورة جمع الشريف شهاب الدين أحمد كاتب السر بالديار المصرية بأمر السلطان أربعين شريفًا اسم كل شريف منهم محمد وفرق فيهم من ماله خمسة آلاف درهم وأجلسهم بالجامع الأزهر فقرأوا ما تيسر من القرآن الكريم بعد صلاة الجمعة ثم قاموا هم والناس على أرجلهم ودعوا الله تعالى وقد غص الجامع بالناس فلم يزالوا يدعون الله حتى دخل وقت العصر فصعد الأربعون شريفًا إلى سطح الجامع وأذنوا جميعًا ثم نزلوا وصلوا مع الناس صلاة العصر وانفضوا‏.‏

وكان هذا بإشارة بعض الأعاجم وأنه عمل ذلك ببلاد الشرق في وباء حدث عندهم فارتفع عقيب ذلك‏.‏

ولما أصبح الناس في يوم السبت أخذ الوباء يتناقص في كل يوم بالتدريج حتى انقطع‏.‏

غير أنه لما نقلت الشمس إلى برج الحمل في يوم ثامن عشر جمادى الآخرة المذكورة ودخل فصل الربيع وأخذ الطاعون يتناقص غير أنه فشا الموت من يومئذ في أعيان الناس وأكابرهم ومن له شهرة بعدما كان أولًا في الأطفال والموالي والغرباء والخدم وفشا أيضًا ببلاد الصعيد وبغالب الدواب والعجب أن الشريف كاتب السر الذي جمع الأشراف بجامع الأزهر مات بعد ذلك باثني عشر يومًا وولي أخوه كتابة السر عوضه وقبل أن يلبس الخلعة وأما من مات في هذا الوباء من الأعيان فجماعة كبيرة يأتي ذكر بعضهم في وفيات هذه السنة من هذا الكتاب‏.‏

ثم في يوم الاثنين تاسع شهر رجب خلع السلطان على الأمير الطواشي زين الدين خشقدم الرومي اليشبكي نائب مقدم المماليك باستقراره مقدم المماليك السلطانية بعد موت الأمير فخر الدين ياقوت الأرغون شاوي الحبشي‏.‏

وخلع السلطان على الطوشي فيروز الركني الرومي باستقراره في نيابة مقدم المماليك عوضًا عن خشقدم المذكور‏.‏

ثم في سادس عشر شهر رجب المذكور قدم الأمير تغري بردي المحمودي من ثغر دمياط وكان قد نقل إليه من سجن الإسكندرية قبل تاريخه بمدة فرسم السلطان أن يتوجه من قليوب إلى دمشق ليكون أتابكًا بها عوضًا عن الأمير قاني باي الحمزاوي بحكم حضور قاني باي المذكور إلى القاهرة ليكون بها من جملة مقدمي الألوف‏.‏

ثم في ثالث عشرينه خلع السلطان على الشيخ بدر الدين حسن بن القدسي الحنفي باستقراره في مشيخة الشيوخ بالشيخونية بعد موت القاضي صدر الدين أحمد بن العجمي‏.‏

ثم ورد الخبر على السلطان بحركة قرايلك على البلاد الحلبية وأن شاخ رخ بن تيمورلنك قد شتى بقراباغ فأخذ السلطان في تجهيز عسكر للسفر‏.‏

هذا وقد أشيع بالقاهرة بأن الأمير جاني بك الصوفي مات بالطاعون ودفن ولم يعرف به أحد فلم تطب نفس السلطان لهذا الخبر واستمر على ما هو عليه من القلق بسببه‏.‏

ثم في يوم الأربعاء ثالث شعبان منع السلطان نواب القضاة من الحكم ورسم أن يقتصر القاضي الشافعي على أربعة نواب والحنفي على ثلاثة والمالكي والحنبلي كل منهما على اثنين‏.‏

قلت‏:‏ نعمة طائلة خمسة عشر قاضيًا بمصر بل ونصف هذا فيه كفاية‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثامن شعبان أدير محمل الحاج على العادة في كل سنة ولم يعهد دورانه في شعبان قبل ذلك غير أن الضرورة بموت المماليك الرماحة اقتضت تأخير ذلك وكان الجمع فيه من الناس دون العادة لكثرة وجد الناس على موتاهم‏.‏

ثم في يوم السبت ثامن عشر شهر رمضان قدم شهاب الدين أحمد بن صالح بن السفاح كاتب سر حلب باستدعاء ليستقر في كتابة السر بالديار المصرية ويستقر عوضه في كتابه سر حلب ابنه زين الدين عمر على أن يحمل شهاب الدين المذكور عشرة آلاف دينار‏.‏

وكانت كتابة السر شغرت من يوم مات الشريف شهاب الدين أحمد الدمشقي وباشر أخوه عماد الدين أبو بكر أيامًا قليلة ومات أيضًا بالطاعون فباشر القاضي شرف الدين أبو بكر الأشقر نائب كاتب السر إلى يوم تاريخه بعد أن سعى في كتابة السر جماعة كبيرة بالقاهرة فاختار السلطان ابن السفاح هذا وبعث بطلبه وخلع عليه في عشرينه باستقراره في كتابة السر فباشر الوظيفة بقلة حرمة وعدم أبهة مع حدة مزاج وخفة وجهل بصناعة الإنشاء‏.‏

على أنه باشر كتابة السر بحلب سنين قبل ذلك ومع هذا كله لم ينتج أمره لعدم فضيلته فإنه كان يظهر من قراءته للقصص ألفاظًا عامية وبالجملة فإنه كان غير أهل لهذه الوظيفة‏.‏

انتهى‏.‏

ثم في يوم السبت رابع عشرين شوال قدم المماليك السلطانية من تجريدة الرها إلى القاهرة وكانوا من يوم ذاك بمدينة حلب وتخلفت الأمراء بها‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثالث ذي القعدة خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ باستقراره أستادارًا مضافًا إلى الوزر عوضًا عن آقبغا الجمالي بحكم عجز آقبغا عن القيام بالكلف السلطانية‏.‏

ثم في سادس ذي القعدة أمسك السلطان آقبغا المذكور وأهين وعوقب على المال فحمل جملة ثم أفرج عنه واستقر كاشفًا للجسور بعد أيام‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي القعدة أيضًا ويوافقه خامس عشر مسرى أو في النيل ستة عشر ذراعًا فركب السلطان الملك الأشرف من قلعة الجبل ونزل حتى خلق المقياس وعاد ثم في ليلة السبت خامس عشر ذي القعدة ظهر للحاج المصري وهم سائرون من جهة البحر المالح كوكب يرتفع ويعظم ثم تفرق منه شرر كبار ثم اجتمع‏.‏

لما أصبحوا اشتد عليهم الحر فهلك من مشاة الحاج ثم من الركبان عالم كبير وهلك أيضًا من جمالهم وحميرهم عدة كبيرة كل ذلك من شدة الحر والعطش وهلك أيضًا في بعض أودية الينبع جميع ما كان فيه من الإبل والغنم‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى بيت ابن البارزي المطل على النيل بساحل بولاق وسار بين يديه غرابان في النيل حربية فلعبا كما لو حاربا الفرنج ثم ركب السلطان من وقته سريعًا وسار إلى القلعة‏.‏

ثم في عاشر ذي الحجة توجه زين الدين عبد الباسط ناظر الجيش إلى زيارة القدس الشريف وعاد في يوم تاسع عشرينه‏.‏

ثم ورد الخبر على السلطان في هذا الشهر بتوجه الأمير قصروه نائب حلب منها والأمراء المجردون معه لمحاربة قرقماس بن حسين بن نعير فلقوا جمائعه تجاه قلعة جعبر فانهزم قرقماس عن بيوته فأخذ العسكر في نهب ماله فرد عليهم العرب وهزموهم وقتلوا كثيرًا من العساكر وممن قتل الأمير قشتم المؤيدي أتابك حلب وغيره وعاد العسكر إلى حلب بأسوء حال فعظم ذلك على الملك الأشرف إلى الغاية‏.‏

قال المقريزي‏:‏ وكان في هذه السنة حوادث شنيعة وحروب وفتن فكان بأرض مصر بحريها وقبليها وبالقاهرة ومصر وظواهرها وباء عظيم مات فيه على أقل ما قيل مائة ألف إنسان والمجازف يقول هذه المائة ألف من القاهرة ومصر فقط سوى من مات بالوجه القبلي والبحري وهم مثل ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وليس في قول القائل إن هذه المائة ألف من القاهرة ومصر فقط مجازفة أبدًا فإن الوباء أقام أزيد من ثلاثة أشهر ابتداء وانتهاء وانحطاطًا وأقل من مات فيه دون العشرين كل يوم وأزيد من مات فيه نحو خمسة عشر ألف إنسان وبهذا المقتضى ما ثم مجازفة ومتحصل ذلك يكون بالقياس أزيد مما قيل انتهى‏.‏

قال أعني المقريزي‏:‏ وغرق ببحر القلزم مركب فيه حجاج وتجار تزيد عدتهم على ثمانمائة إنسان لم ينج منهم سوى ثلاثة رجال وهلك باقيهم‏.‏

وهلك في ذي القعدة أيضًا بطريق مكة فيما بين الأزلم والينبع بالحر والعطش ثلاثة آلاف إنسان ويقول المكثر خمسة آلاف‏.‏

وغرق في نيل مصر في مدة يسيرة اثنتا عشرة سفينة تلف فيها من البضائع والغلال ما قيمته مال عظيم‏.‏

وكان بغزة والرملة والقدس وصفد ودمشق وحمص وحماة وحلب وأعمالها وباء عظيم هلك فيه خلائق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى‏.‏

وكان ببلاد المشرق بلاء عظيم وهو آن شاه رخ بن تيمور ملك الشرق قدم إلى تبريز في عسكر يقول المجازف عدتهم سبعمائة ألف‏.‏

قلت‏:‏ يغفر الله لقائل هذا اللفظ فإنه تجاوز حد المجازفة في قوله انتهى‏.‏

قال‏:‏ فأقام شاه رخ على خوي نحو شهرين وقد فر منه إسكندر بن قرا يوسف فقدم عليه الأمير عثمان بن طرعلي المدعو قرايلك التركماني صاحب آمد في ألف فارس فبعثه على عسكر لمحاربة إسكندر وسار في أثره وقد جمع إسكندر جمعًا يقول المجازف إنهم سبعون ألفًا فاقتتل الفريقان خارج تبريز فقتل بينهما آلاف من الناس وانهزم إسكندر وهم في أثره يقتلون ويأسرون وينهبون فأقام إسكندر ببلاد الكرج ثم بقلعة سلماس وحصرته العساكر مدة فنجا وجمع نحو الأربعة آلاف فبعث إليه شاه رخ عسكرًا أوقعوا به وقتلوا من معه فنجا بنفسه جريحًا‏.‏

وفي مدة هذه الحروب ثار أصبهان بن قرا يوسف ونزل على الموصل ونهب تلك الأعمال وقتل وأفسد فسادًا كبيرًا‏.‏

وكانت بعراقي العرب والعجم نهوب ومقاتل حيث إن شاه محمد بن قرا يوسف متملك بغداد من عجزه لا يتجاسر على أن يتجاوز سور بغداد‏.‏

وخلا أحد جانبي بغداد من السكان وزال عن بغداد اسم التمدن ورحل منها حتى الحياك وجف أكثر النخل من أعمالها‏.‏

ومع هذا كله وضع شاه رخ على أهل تبريز مالًا ذهبت في جباياته نعمهم ثم جلاهم بأجمعهم إلى بلاده وكثر الإرجاف بقدومه إلى الشام فأوقع الله في عسكره البلاء والوباء حتى عاد إلى جهة بلاده‏.‏

وعاد قرايلك إلى ماردين فنهبها ثم عاد ونهب ملطية وما حولها‏.‏

وكان أيضًا ببلاد الحبشة بلاء لا يمكن وصفه‏.‏

وذلك أنا أدركنا ملكها داود بن سيف أرعد ويقال له الحطي ملك أمحرة وهم نصارى يعقوبية فلما مات في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة قام من بعده ابنه تدرس بن داود فلم تطل مدته ومات فملك بعده أخوه أبرم ويقال إسحاق بن داود وفخم أمره وذلك أن بعض مماليك الأمير بزلار نائب الشام ترقى في الخدم وعرف بألطنبغا مغرق حتى باشر ولاية قوص من بلاد الصعيد‏.‏

ففر إلى الحبشة واتصل بالحطي هذا وعلم أتباعه لعب الرمح ورمي النشاب وغير ذلك من أدوات الحرب‏.‏

ثم لحق بالحطي أيضًا بعض المماليك الجراكسة وكان زردكاشًا فعمل له زردخاناه ملوكية‏.‏

وتوجه إليه مع ذلك رجل من كتاب مصر الأقباط النصارى يقال له فخر الدولة فرتب له ملكه وجبى له الأموال وجند له الجنود حتى كثر ترفهه بحيث أخبرني من شاهده وقد ركب في موكب جليل وبيده صليب من ياقوت أحمر قد قبض عليه ووضع يده على فخذه فصار يبين ويظهر لهذا الصليب الياقوت طرفان كبيران من قبضته فشرهت نفسه إلى أخذ ممالك الإسلام لكثرة ما وصف له هؤلاء من حسنها‏.‏

فبعث بالتبريزي التاجر ليدعو الفرنج للقيام معه وأوقع بمن في مملكته من المسلمين فقتل منهم وأسر وسبى عالمًا عظيمًا‏.‏

وكان ممن أسر منصور ومحمد ولدا سعد الدين محمد بن أحمد بن علي بن ولصمع المجبرتي ملك المسلمين بالحبشة فعاجله الله بنقمته وهلك في ذي القعدة وأقيم ابنه إندراس بن إسحاق فهلك أيضًا لأربعة أشهر فأقيم بعده عمه حزبناي ابن داود بن سيف أرعد فهلك في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين فأقيم بعده ابن أخيه سلمون بن إسحاق بن داود بن سيف أرعد فكانت على أمحرة أربعة ملوك في أقل من سنة‏.‏

انتهى كلام المقريزي برمته‏.‏

وقد خرجنا عن المقصود على أنه فيما ذكرنا فوائد يحتمل التطويل بسببها‏.‏

انتهى‏.‏

ثم إن السلطان أخذ في تجهيز عسكر إلى البلاد الحلبية إلى أن انتهى أمرهم‏.‏

فلما كان يوم الاثنين سابع عشرين محرم سنة أربع وثلاثين وثمانمائة برز الأمراء المجردون من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة وهم الأمير الكبير جارقطلو أتابك العساكر والأمير إينال الجكمي أمير سلاح والأمير آقبغا التمرازي أمير مجلس والأمير تمراز القرمشي رأس نوبة النوب والأمير قرا مرادخجا الشعباني الظاهري برقوق أمير جاندار وعدة من أمراء الطبلخانات والعشرات وخمسمائة مملوك من المماليك السلطانية‏.‏

وكان سبب تجردهم ورود الخبر على السلطان بنزول قرايلك في أول هذا الشهر على معاملة ملطية وأنه نهبها وأحرقها وحصر ملطية فخرج إليه الأمير قصروه نائب حلب وقد أردفه الأمير سودون من عبد الرحمن نائب الشام بعساكر الشام فأردفهم السلطان أيضًا بالعسكر المذكور‏.‏

فلما أن رحلوا من الريدانية ورد الخبر ثانيًا من قبل نواب البلاد الشامية بعود قرايلك إلى بلاده وأن المصلحة تقتضي عدم خروج العسكر من مصر في هذه السنة فرسم السلطان بعودهم من خانقاه سرياقوس في يوم الجمعة أول صفر فرجعوا من وقتهم‏.‏

واستعيدت منهم النفقة السلطانية التي أنفقت فيهم عند سفرهم فاحتاجوا إلى رد ما اشتروه من الأمتعة بعدما استعملوها والأزواد على من ابتاعوها منهم غصبًا ثم احتاجوا إلى استعادة ما أنفقوه على غلمانهم وخدمهم وقد تصرفت الغلمان فيها واشتروا منها احتياجهم ودفعوا منها إلى أهليهم ما ينفقونه في غيبتهم فكل واحد من هؤلاء استعيد منه ما تصرف فيه‏.‏

فنزل من أجل هذا بالناس ضرر عظيم وكثرت القالة في السلطان ونفرت القلوب منه وتحدث الناس بذلك أيامًا وسنين ولعله صار مثلًا يضرب به إلى يوم القيامة‏.‏

ثم في يوم الاثنين حادي عشر صفر المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل في موكب جليل ملوكي احتفل له ولبس قماش الموكب الكلفتاه والفوقاني الصوف الذي بوجهين أحمر وأخضر كما كان يلبس الملك الظاهر برقوق وغيره من الملوك وجر الجنائب بين يديه والجاويشية تصيح أمامه وسار وحوله الطبردارية وعلى رأسه السنجق السلطاني حتى عبر من باب زويلة فشق القاهرة وخرج من باب الشعرية يريد الصيد بالدير والمنزلة فتوجه إلى الصيد فبات هناك ليلة الثلاثاء وأصبح اصطاد الكراكي وعاد إلى مخيمه وأكل السماط‏.‏

ثم ركب وعاد في آخر يوم الثلاثاء إلى القلعة بعدما شق القاهرة في عوده أيضًا على تلك الهيئة وهذا أول ركوبه إلى الصيد منذ تسلطن‏.‏

ثم في خامس عشرينه ركب للصيد ثانيًا وعاد من الغد‏.‏

وتكرر ركوبه لذلك غير مرة وأنا ملازمه في جميع ركويه للصيد وغيره‏.‏